آخر الأحداث والمستجدات
فسحة من صيف: حواجز المرور إلى ساحة الهديم من ذكاء قصة جحا والحمار
دور الحكايات التاريخية:
إذا لم تكن للحكايات التاريخية معنى في الواقع، فإنها بحق تكون مثل الترف الذي لا يُرْجَى منه فائدة لتعديل وتصويب الحاضر، وترتيب مسارات المستقبل. مرات عديدة نقول: إن مدينة مكناس تُنتج اللغط واللغو في الكلام، أكثر بكثير مما تُنتج التنمية، والقيم الاجتماعية السديدة. نعم، وبصدق فكل المحاولات التي تروم إلى التغيير التنموي الذكي، ولو الخفيف منه تُلاقي التعقيب والنقد السالب، ولما لا حتى استعمال المعاول الصدئة.
قصة جحا والحمار:
قصة جحا والحمار، وهي من الحكايات الشعبية، والتي تماثل بالضبط ما يحدث بمكناس (اطلع تَاكلْ الكر موس نزل اشكون لي قالها ليك)، فجحا حين استعمل حماره وأثقل حمولة الأمتعة على ظهره، نال اللوم من الناس بدعوى الرفق بالحيوان. و لحظة إركاب ابنه على ظهر الحمار اعتبر القوم أن الابن عاق ولا يحترم شيخوخة الأب الهرم. و حين ركب جحا الحمار، ضحك الناس من تركه لابنه النحيف يتحمل مشقة الطريق الوعرة. وفي الأخير قرر جحا حمل الحمار، وألا يكترث لحديث الشارع.
جحا كان ذكيا حين جعل القوم يتابعون خطواته بالنجاحات والإخفاقات. كان ذكيا حين طبق جميع فرضيات وآراء الملاحظين من بعيد ودون احتكاك مفرط بهم. كان ذكيا حين أرسل رسالة للعموم (حمل الحمار أهون من ملاحظاتكم العرجاء !!).
مكناس والتثمين:
هذه الملاحظة الجزئية (قصة جحا والحمار) نستشعر من صحتها بصدق في تتبع مآلات تثمين المدينة العتيقة لمكناس، وغيره من المشاريع ذات الأولوية بالمدينة (مهما كانت)، حتى باتت المقاولات تحسب ألف حساب والمغامرة في دخول صفقات تُعرض بمكناس. نعم، ومنذ البدايات الأولى لأشغال تثمين المدينة العتيقة، كان الاستعجال والتخطيط، كان تهميش أدوار الخبرات المحلية والمجتمع المدني ذا الاختصاص والتتبع والمواكبة. كانت المعلومة عند القيمين المباشرين عن التثمين من أسرار الدولة الكبرى !! كان هنالك غياب التواصل التفاعلي (لم يصدر أي بلاغ توضحي/ ندوات إخبارية) غير يُتْم بعض المعلومات المتقطعة (غير الرسمية) أن المدينة أتمت (22) !! مشروعا من أصل (54) !! وبات مشروع برنامج تثمين المدينة العتيقة لمكناس (وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس ADER) في واد قصي، وآراء مجتمع المدينة من الخبرة والمتتبعين وكذا (إعلام الشارع) في الضفة الأخرى والجافة منه !!
مسارات التثمين والتأهيل:
نعم، (حمار جحا من الخيمة خرج مثقل بالحمولات) في غياب آلية المشاورات الموسعة، ودراسة الجدوى لتبدأ مرحلة الدراسات التفصيلية (النقط المستهدفة)، بعدها التنزيل (التشاركي) الفعلي لمشروع (إعادة تأهيل وتثمين المدينة العتيقة لمكناس)، بات (إعلام الشارع) يواكب تلك المتغيرات (الصغيرة والكبيرة) في بنيات تراث المدينة العتيقة. وأصبح الهاتف الذكي يوثق التغييرات، وجُذُور الإخفاقات بلا مرجعيات تاريخية أو خبرة عملية/ تقنية !! بات تهميش الرأي السديد (الخبرة المحلية) سيد التأهيل ورؤية إعادة التوظيف. باتت الملاحظات تكثر وتزيد حدة عند إخفاق مجموعة من المقاولات في إتمام عمليات الترميم والتأهيل بالصيغة التعاقدية النهائية، باتت الندوات (الحرة) تدق أجراس الإنذار الإيجابية ولا تفاعل حكيم مع توصياتها وخلاصاتها الموضعية.
حواجز ساحة الهديم:
بعد (الباش) السياحي والتاريخي الذي يغطي واجهة باب منصور التاريخية لما يزيد عن سنتين من الزمن، اليوم هنالك حواجز تقام في ساحة الهديم الشهيرة ( بهدف حمايتها من تعمق المركبات بالساحة التاريخية) وهي فكرة سديدة، وكذا هنالك بجانب السور إضافات جديدة (زادت ملمح السور رونقا). المشكلة الأساس في اللغط الجانبي، يتمثل في غياب المعلومة الدقيقة، وغياب المعرفة والاطلاع على دفتر التحملات، وكناش المشروع التفصيلي. المشكلة الأساس والتي سبق وأن كررنا ذكرها تتمثل في غياب التواصل التفاعلي مع (وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس ADER) وفرع مكناس (الحق في الحصول على المعلومات بشكل إداري/ الفصل 27 من الدستور).
اليوم تقترب المدينة من نهاية مشروع برنامج تثمين المدينة العتيقة لمكناس (2023) حتى ولو بإضافة (الوقت بدل الضائع)، ولم يتم تعميم المعلومة والإجابة عن سؤال: أين وصل تثمين، وتأهيل المدينة العتيقة لمكناس؟ أين وصلت رؤية إعادة توظيف الفنادق؟ أين وصل التفكير في السيل المائي الذي سيعيد الحياة لصهريج سواني؟ وفي انتظار جواب الشفافية المقنع والتام، كان عمل جحا مع لغط وملاحظات القوم ذكيا.
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2023-08-21 01:43:12 |